أحمد أبو خليل يكتب: مفك شهاب وقرآن تايمز سكوير
حين تتحوّل الدعوة إلى استعراض، ويُبرَّر العنف باسم العاطفة.. لن ينتصر أحد

بقلم: أحمد أبو خليل
في زمن باتت فيه الشعارات أعلى من الأفعال، والنية تُسوّق كتبرير لكل فوضى، نشهد مشاهد عبثية تتكرر بنفس السيناريو، فقط مع تغيير الوجوه.
من بائع يشغّل القرآن في قلب نيويورك متحديًا القانون، إلى شاب يلوّح بمفك في وجه مواطن دون خجل.
الرسالة التي يجب أن تُقال بصراحة:
لا تُفرض الفضيلة بالقوة، ولا تُختزل القدوة في فيديو مؤثّر أو عبارة دينية في السيرة الذاتية.
داخل غرفة الإعداد، كان كل شيء يسير بوتيرة سريعة؛ اجتماع يومي مع الزميل الإعلامي محمد الغيطي لمراجعة فقرات الحلقة وتحديد زوايا الطرح.
اعتدنا هذا الروتين لضمان تقديم محتوى يليق بالمشاهد، ويخاطب عقله دون ابتذال أو استعراض.
وخلال تحضيرات إحدى الحلقات، لفت انتباهي خبر بعنوان:
“بائع مصري يدفع غرامة يومية قدرها خمسون دولارًا لتشغيل القرآن في ميدان تايمز سكوير.”
توقفت أمام العنوان كثيرًا، وسألت نفسي:
هل مخالفة القوانين وسيلة مشروعة لنشر الإسلام؟
هل الإكراه على السماع وسيلة للدعوة؟
بالطبع لا.
طرحت السؤال ذاته على الأستاذ الغيطي، فأكد رفضه التام لهذا السلوك، واتفقنا أن نتناول الخبر من زاوية تحترم قدسية القرآن.
دون أن تبرر استخدامه في غير موضعه أو فرضه بالقوة على الآخرين.
سماحة الدين لا تُفرض
جاء وقت البث، وبدأت الفقرة الخاصة بالخبر. انتقد الغيطي التصرف، مؤكدًا أن فرض القرآن على المارة في ساحة عامة صاخبة لا يمت للدعوة بصلة
بل يخالف صريح القرآن نفسه:
“وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون.”
لكن المدهش أن هذا الطرح لم يَرُق لاثنتين من فريق الإعداد إحداهما مسيحية.
والأخرى مسلمة رأتا أن النقد هجوم على القرآن، وكان الأولى برأيهما التعاطف مع تصرف الشاب.
حاولت شرح الفارق بين احترام النص الديني وتقديس التصرف الفردي، وأن الدعوة.
لا تكون بالإكراه ولا بالمخالفة، بل بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن دون جدوى..العاطفة كانت أقوى من المنطق السليم.
من التايمز إلى “شهاب جمعية”
تلك الواقعة أعادت إلى ذهني نموذجًا آخر؛ “شهاب جمعية”، الشاب الذي انتشر له فيديو يلوّح بمفك ويهدد أحد المواطنين في استعراض فجّ للقوة.
تابعناه جميعًا بالصوت والصورة..صورة مخيفة وصوت لا يصدر إلا من شخص لا يعرف من الأدب سوي أسمه.
ومع ذلك، شاهدنا حملات تعاطف ظهرت فجأة. مواقع إلكترونية توجهت إلى الحي.
الذي يسكن فيه، تقابلت مع الجيران والأقارب، فبدأت التصريحات الغريبة:
“شهاب مؤدب جدًا”..”كان هيطلع مهندس!”
هل هذا هو مقياس الأدب؟
هل الاستعراض والتهديد والقانون المكسور يمكن أن يُغفر لمجرد تسول الإستعطاف.
لا تبنوا قناعاتكم بالعاطفة
بين بائع القرآن في التايمز، وشهاب المفك، تتكرر القصة نفسها:
تبرير الفوضى باسم الدين أو الرجولة، وتعاطف غريب مع من يكسر القوانين، ثم صدمة حين يمسنا التطرف أو العنف شخصيًا.
لذلك.. يا سادة اجعلوا تحيزكم للقانون لا للعاطفة.
ولا تخدعكم المظاهر أو الشعارات فالمجتمعات تُبنى على تطبيق القانون، لا على فوضى المشاعر.
والدين أسمي من أن يُستعمل كأداة استعراض في الساحات أو الشوارع. كما أن الرجولة لا تُثبت بالمفك.







